اثر التفكك الأسري في الانحرافات الاجتماعية في المجتمع

لاشك أن العلاقات الأسرية هي أسمي وأقدس العلاقات على وجه الأرض تبدأ بذرتها بين فردين بالزواج

لاشك أن العلاقات الأسرية هي أسمي وأقدس العلاقات على وجه الأرض تبدأ بذرتها بين فردين بالزواج ثم أفراد بالإنجاب وتمتد لتشمل الأقارب والأصهار من الطرفين أنها كالشجرة التي تمتد أوراقها ليستظل بها المجتمع وكلما ازدادت أوراقها وتشابكت أغصانها كلما كانت الحضن الدافئ والحصن الأمين لكل من يأوي إليها

أسباب التفكك الأسري :

من الصعوبة حصر الأسباب المؤدية لمشكلة التفكك الأسري وذلك لكثرتها ولتداخل أكثر من سبب في نشأتها في كثير من الأحيان ، ولكن من أهم الأسباب نذكر منها :ـ

1ـ الأب الحاضر الغائب ـ وهذا يتمثل في رب الأسرة الذي يقضى معظم وقته خارج المنزل وله صور متعددة من أهمها رجل الأعمال الغارق في عمله بحيث يصرف معظم الوقت في متابعة تجارته ليلاً ونهاراً في لقاءات واجتماعات وسفريات وحفلات عامة وخاصة وبهذا لا يجد وقتاً لأسرته فتبدأ الزوجة بالتذمر والاستياء من هذا الغياب وتشعر بأن الزوج الذي كانت تحلم بمشاركته لها احداث الحياة اليومية يتبخر يوماً بعد يوم ، وايضاً الزوج الذي ينشغل عن أسرته بأصدقائه وجلساته معهم فهو ما أن يعود من عمله حتى يتناول وجبة الغداء ثم يرتاح قليلاً ويمضي المساء كاملاً مع الأصدقاء ويحرم الزوجة والأولاد من الجلوس معه أو الخروج معه خارج المنزل .

2ـ الأم الحاضرة الغائبة ـ وما سبق عن ذكر الزوج يمكن أن نجد ما يقابله عند الزوجة المنصرفة عن مسؤولياتها الأسرية بشواغل مختلفة نأخذ منها الأم المنشغلة بعملها عن أسرتها فلا يجد الزوج من زوجته العناية بشؤونه و احتياجاته ، كما أن هناك صورة أخري للام المنشغلة عن مسؤولياتها الأسرية بكثرة لقاءات الصديقات والخروج المستمر إلي الأسواق لحاجة ولغير حاجة مما يحرم الزوج والأولاد من متابعة هذه الأم وعدم قيامها بواجباتها الزوجية بالشكل المطلوب منها .

3ـ صراع الأدوار ـ يقصد بصراع الأدوار التنافس بين الزوج والزوجة لأخذ كل منهما مكان الآخر ويترتب على هذا حصول النزاعات المتكررة على كل صغيرة وكبيرة في أمور الحياة الزوجية مما يمهد الطريق لحصول التفكك الأسري في هذه الأسرة .

4ـ ثورة الاتصالات الحديثة ـ تعتبر وسائل الاتصال الحديثة سبباً من أسباب التفكك الأسري في المجتمعات المعاصرة على الرغم مما يمكن أن يكون لها من ايجابيات حيث أفرط الأفراد في التعامل معها فبدلاً من أن يقضي معها جزء من وقت الفراغ أخذت كثيراً من أوقات الأفراد مما اخل بواجباتهم الأخرى نحو أسرهم .

5ـ الخدم ـ وهم فئة عاملة طرأت على المجتمعات العربية خصوصاً الخليجية منها تولت أدوار عديدة كان الأم والأب يقومان بها في السابق مثل الطبخ والنظافة وتربية الأولاد بكل جوانبها سواء الذهاب بهم للمدارس أو متابعة تحصيلهم الدراسي أو العناية بها يحتاجونه من رعاية وعطف وسهر على صحتهم وهذا ينتج علاقة نفسية حميمة بين الأطفال ومن يقدم لهم هذه الخدمات .

6ـ الوضع الاقتصادي للأسرة ـ كثيراً ما يكون للوضع الاقتصادي للأسرة دور كبير في تصدعها في كلا الطرفين الغني والفقر وان كان الثاني هو الأكثر ،  ففي حالة الغني نجد بعض الأغنياء ينشغلون بالمال عن أسرهم وفي حال الفقر لا يستطيع الأب توفير احتياجات أسرته مع كبرها وقلة تعليمه فيعجز عن الاستجابة لمتطلباتها فيقع في الحرام للحصول على المال أو يدفع بعض أفراد أسرته لمسالك السوء للحصول على مزيد من المال فيكون النتاج تفكك تلك الأسرة .

7ـ ضعف الأيمان ـ وهذا العامل كان يفترض أن يأتي في مقدمة العوامل جميعا لأهميته وعدم تنبه كثير من الباحثين الاجتماعيين والنفسيين له فإذا كان الأيمان ضعيفا لدى الزوجين أو احدهما فالنتاج الوقوع السهل المتكرر في الخطايا والآثام التي تسبب مشكلات لا حصر لها داخل الأسرة .

الآثار السيئة للتفكك الأسري :

للتفكك الأسري آثار يصعب حصرها ولكننا سنحاول عرض أهمها فمن ذلك

1ـ آثار التفكك على الأفراد : ـ

أول ضحايا التفكك الأسري هم أفراد الأسرة المفككة فالزوج والزوجة يواجهان مشكلات كثيرة تترتب على تفكك أسرتهما فيصابان بالإحباط وخيبة الأمل وهبوط في عوامل التوافق والصحة النفسية وآلا ثار الأكثر خطورة هي تلك المترتبة على أولاد الأسرة المتفككة خصوصا إن كانوا صغار السن فأول المشكلات التي تواجههم فقدان المأوي الذي كان يجمع شمل الأسرة وهنا سوف يحدث التشتت حيث يعيش الأولاد أو بعضهم مع احد الوالدين والبعض الآخر مع الوالد الآخر.

2ـ آثار التفكك على علاقات الزوجين بالآخرين :

ينتج عن التفكك الأسري اضطرابات وتحلل في علاقات الزوجين بالآخرين خصوصاً الأقارب فإن كانت هناك علاقة قرابة بين أسرتي الزوجين فإنه غالباً وللأسف تتأثر سلبياً بما يحدث للزوجين فتحدث القطيعه  بين الأسرتين .

3ـ آثار التفكك على نشر الانحراف :

يؤدي التفكك الأسري في بعض الأحيان إلي تهيئة الظروف لانحراف أفراد الأسرة خصوصاً الأولاد من البنين والبنات فعندما تتفكك الأسرة ويتشتت شملها ينتج عن ذلك شعور لدى أفرادها بعدم الأمان الاجتماعي وضعف القدرة لدى الفرد على مواجهة المشكلات .

4ـ اثار التفكك على قيم المجتمع وثقافته :

يسبب التفكك الأسري اختلاًلاً في كثير من القيم التي يسعى المجتمع لترسيخها في أذهان وسلوكيات أفراده مثل الترابط والتراحم والتعاون والمسامحة ومساعدة المحتاج ولوقوف معه في حالات الشدة وغيرها من القيم الايجابية المهمة في تماسك المجتمع واستمراره .

الانحراف الاجتماعي :

يشير مفهوم الانحراف الاجتماعي بشكل عام إلي أنماط الفعل التي تمتثل للمعايير والقيم التي يعتنقها أغلبية أعضاء الجماعة أو المجتمع ويختلف ما يعد انحرافاً بذات القدر الذي تتباين به المعايير والقيم التي تميز الثقافات الفرعية المختلفة عن بعضها فالعديد من أشكال السلوك التي ينظر إليها بقدر كبير من التقدير من قبل جماعة ما قد تعد سلبية في نظر أبناء جماعة أخرى .

يدل لفظ "انحراف " على مخالفة أي من الأنماط السلوكية السوية والمرغوبة اجتماعيا سواء كانت تلك الرغبة بنص القانون أو العرف أو القيم الثقافية السائدة وهكذا فإن الانحراف من المنظور الاجتماعي هو السلوك المخالف لما ترتضيه الجماعة .

الانحراف هو إتيان أي فعل لا تقبله النسبة الغالبة من أفراد الجماعة ويشمل الانحرافات القانونية وغير القانونية والسبب في الأخذ بالانحرافات غير القانونية هو أن العادات والأعراف والتقاليد والقيم الأخلاقية قد يزداد الاهتمام ببعض منها فترقى إلي مستوى القانون ويبقي بعضها الآخر دون ذلك وقد تكون السلوكيات المنحرفة بنص القانون أفعالاً خطيرة على آمن الجماعة وعلى حياة وأعراض أفرادها أو مقدساتهم ومكتسباتهم ومستقبلهم أو تطلعهم العام مما يتطلب شجب هذه الأفعال ومكافحتها فالأمر إذا يتعلق بأفراد الجماعة و معتقداتهم ووجهة نظرهم للأنماط السلوكية غير السوية وما يجب أن يجرم منها بنص القانون .

يشير السلوك المنحرف إذاً إلى الخروج أو الانحراف عن المعايير الاجتماعية السائدة في المجتمع ويوضح روبرت ميرتون أن مفهوم السلوك في أساسة يعد مفهوماً أخلاقياً كما أنه يستخدم في اللغة اليومية للإشارة إلي ما يعرف بالسلوك السيئ بصفة عامة كما يشير ميرتون إلى نمطين أساسيين من السلوك المنحرف هما السلوك اللاتوافقي  والسلوك المنحرف ويميز بينهما على النحو الأتي :ـ

1ـ الأفراد غير المتوافقين تتخذ معارضتهم ـ عادة ـ صفة العلانية على حين أن المنحرفين يحاولون ـ عادة ـ إخفاء انحرافاتهم فالمعارضون السياسيون يظهرون معارضتهم للنظام السياسي علانية بينما مرتكبو الجرائم يمارسون سلوكهم في الخفاء .

2ـ بينما يمثل سلوك غير المتوافقين تحدياً لشرعية المعايير الاجتماعية التي يعارضونها ويرفضونها فإن المنحرفين ينتهكون المعايير التي يعترفون بها فيحاول المنحرفون تبرير سلوكهم المنحرف ولكنهم لا يجادلون في أن السرقة انحراف والقتل خطيئة .

3ـ يسعى غير المتوافقين إلي تحقيق هدف أساسي يتمثل في تغيير المعايير الاجتماعية القائمة وإحلال معايير أخرى محلها يرون أنها أفضل من المعايير القائمة في حين أن المنحرفين لا يشغلهم سوي كيفية الهروب من العقوبات المرتبطة بمخالفة المعايير الاجتماعية القائمة بالفعل .

4ـ يسعى غير المتوافقين إلي تحقيق العدالة في الواقع الاجتماعي من خلال محاولتهم تغير البناء الاجتماعي لكن المنحرفين لا يكون لديهم شيئاً جديداً يقدمونه لأنهم يسعون إلي التعبير عن مصالحهم الخاصة وإشباع حاجاتهم الشخصية .

وبناء على ذلك ينطبق الانحراف الاجتماعي على أي سلوك لا يكون متوافقاً مع التوقعات والمعايير المقبولة داخل النسق الاجتماعي والتي يشارك فيها الشخص بقية أعضاء المجتمع .

وقد اهتم علماء الاجتماع بتحديد الفروق المرتبطة بالتسامح مع أنماط معينة من انتهاك المعايير ومما لا شك فيه أن جميع ألوان الانحراف عن المعايير الاجتماعية تواجه بالرفض والمعارضة من المجتمع .

وتتضمن النظرة المتكاملة للانحراف أنماطاً أربعة هي :ـ

1ـ انحراف الفرد عن الاهداف العامة للمجتمع أي أن تحديدة لأهدافه الذاتية ـ على المستويين القريب والبعيد ـ تم بمعزل عن تطلعات المجتمع وأهدافه .

2ـ انحراف الفرد عن الوسائل السوية والسلوكيات الأخلاقية التي تستخدم لتحقيق الغايات وفي هذه الحالة قد يسير المنحرف بمبدأ " الغاية تبرر الوسيلة "

3ـ انحراف الفرد عن الأهداف والوسائل فالأهداف قد تكون غير مشروعه وكذلك وسائل تحقيقها غير مقبولة قانونياً واجتماعياً وأخلاقياً لدى المجتمع .

4ـ التطبيق الخاطئ والمسايرة الجامدة المفرطة للأهداف والوسائل ما يجعل الفرد يخرج عن التوقعات المشتركة .

نسبية الانحراف الاجتماعي :

الانحراف من الوقائع الاجتماعية التي لازمت المجتمعات البشرية منذ أقدم العصور والانحراف ليس شيئاً مطلقاً بمعني أنه يدل على فعل ثابت له أوصاف محددة ولكنة نسبي تحدده عوامل كثيرة منها الزمان والمكان والثقافة فقد كانت بعض الأفعال في الماضي لا تعد انحرافاً ولكنها أصبحت انحرافاً في المجتمع المعاصر يحقر مرتكبوها ويعاقب عليها القانون .

إن الانحراف في العصر الحاضر قد يختلف معناه في مجتمع عنه في مجتمع آخر نظراً لاختلاف المجتمعات في عناصر ثقافتها وحضارتها وعلى الرغم من أن الانحراف ظاهرة اجتماعية موجودة في كل المجتمعات الانسانية ، سواء كانت بدائية أم متطورة قديمة أم حديثة متخلفة أم متقدمة فإن ما نتناولة من أنماط النشاط ليس واحداً في الزمان والمكان مادام أساس الانحراف تابعاً لوجهة نظر المجتمع في زمان ما أو مكان ما ومن ثم فإن ما يجعل الفعل منحرفاً ليس الفعل ذاته ولذاته بل نظرة مجتمع بذاته إليه .

فالمجتمع هو الذي يحدد ما هو خطا وما هو صواب ، هو الذي يقرر ما إذا كان فعلاً معيناً يشكل انحرافاً أم لا ، ولما كانت المجتمعات تختلف من حيث بنائها وتاريخها وثقافتها فإنها تختلف في فهمها وفي تقديرها للخطأ والصواب ولما كانت قيم واتجاهات المجتمع تتغير وتتطور على مر الزمان فقد استتبع ذلك أن يكون الانحراف نسبياً فقد يعد مجتمع فعلاً معيناً في فترة ما انحرافاً ثم يبيحه فيما بعد .

والانحراف ليس نسبياً إلي الثقافات العامة فحسب ، بل إنه نسبي أيضاً للثقافات الفرعية داخل المجتمع الواحد نفسه ، وهناك من الانحرافات ما تعد أحياناً جناية وأحياناً أخرى جنحه ، حسب الثقافة الفرعية التي تتأثر بتقاليد وعادات معينة فالسطو في بعض البلدان العربية إذا وقع ليلاً يعد جناية لأنه حدث ليلاً ما يجعل الضرر أكبر مقارنة بما عليه الحال في وضح النهار لذلك يعد السطو نهاراً جنحة لأن الضرر يكون أقل .

وتشير الإحصائيات التي تم الحصول عليها من إدارة رعاية الأحداث بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلي أن عدد العائدين من الأحداث الجانحين بدار الملاحظة الاجتماعية بمدينة الرياض خلال الأعوام من (1429هـ) الي (1431هـ) يتزايد كما يوضحه الجدول التالي :

عدد العائدين من الأحداث الجانحين في دار الملاحظة الاجتماعية بالرياض خلال الفترة من 1429هـ  ـــ 1431هـ


السنة

مجموع النزلاء

مجموع العائدين

1429هـ

2488

133

1430هـ

3052

134

1431هـ

3406

156

المجموع

8946

423

 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
يوضح العرض السابق تحول العود من مجرد ظاهرة إلي مشكلة اجتماعية تتطلب البحث عن أسبابها بهدف إيجاد الحلول المناسبة لها ، وأسباب عود الأحداث للانحراف كثيرة ألا أننا نعتقد أن أهمها يمكن في الحالة الاقتصادية للأسرة .